تقرير عن فعاليات اليوم الدراسي " إشكالية تعليم النص الأدبي في المنظومة التربوية الجزائريّة "
المنعقد بتاريخ 02/05/2019
افتتح اليوم الدراسي في حدود الساعة التاسعة والنصف من قبل مدير مخبر"اللسانيات التطبيقية وتعليم اللغات " الذي رحّب بالحاضرين وأحال الكلمة لرئيسة الجلسة العلمية الأولى الأستاذة يسمينة طالبي ،حيث استهلت مداخلات هذه الجلسة والمخصصة لـ " واقع تعليم النصوص الأدبية في المنظومة التربوية الجزائرية ـ دراسة تقييمية ـ " بمداخلة للأستاذة حفيظة بوصبع ،عنوانها : " توظيف النصوص الأدبية في تعليمية اللغة العربية في مرحلة التعليم المتوسط" والتي استهدفت كشفا محايثا لواقع توظيف النصوص الأدبية في تعليمية اللغة العربية في مرحلة التعليم المتوسط في الجزائر، واستقراءً للمنهج المتبع في استثمارها ، قصد تحقيق الكفاءات المستهدفة بمختلف أنواعها، بالإضافة إلى الكشف عن مدى مراعاة خصوصية النص الأدبي في هذا الطرح المنهجي، ومن ثم الوقوف على أهم الإشكالات التي تواجه المعلم والمتعلم في العملية التعليمية- التعلمية،وذلك كلّه ،من خلال قراءة تستند إلى واقع تطبيقي يحاول نقل صورة حية عن اعتماد النص الأدبي سندا بيداغوجيا لتعليم اللغة العربية مثلما يتجسد في الكتب المدرسية،بغية توجيه الاهتمام إلى البحث عن حلول ناجعة لمختلف الوضعيات المشكلة في هذا الواقع وتيسير عملية التعليم/التعلم، وتحقيق الأهداف المتوخاة منها.
تلت هذه الورقة مداخلة الأستاذة سميرة وعزيب المعنونة بـ "القراءة المنهجية للنص الأدبي في مرحلة التعليم الثانوي" والتي سعت إلى إبراز الطريقة المعتمدة في كتاب السنة الثالثة من التعليم الثانوي لمقاربة النص السردي والمنهجيّة المقترحة لتعليمه، وكذا الأدوات الكفيلة بقراءته وفهمه ومن ثم إنتاجه، وذلك من خلال تحليل نماذج من النص السردي.
وقد بيّنت هذه المداخلة، أنّ منهجيّة تعليم النص السردي في كتاب السنة الثالثة من التعليم الثانوي لم تأت بالجديد، ماعدا توظيف مصطلحات نقديّة تفوق مستوى إدراك المتعلّم في كثير من الأحيان، كما جاءت عناصر السّرد في خطوات التحليل المعتمدة مشوّشة وغير متسلسلة، مما يوحي بأنّ اكتساب الخطاطة السّرديّة واستيعابها غير ممكن، وأنّ مكتسبات المتعلم في هذا النمط النصّي لم تُطوّر، فهي لا تتعدى معارف بسيطة كالشخصيات والحدث الرئيس.
اهتمت الأستاذة إسراء الهيب بعد ذلك ،وفي مداخلة موسومة بـ " تقييم الصورة الفنية في النص الشعري وطرائق تعليمها " بموضوع الصورة الفنية التي تعد عنصرا مهما في النص الشعري والتي تكمن أهميتها في وظائف عدة ، منها التنفير والترغيب والجمال والمبالغة وغير ذلك ،إلا أن النقاد القدامى والمحدثين اتفقوا على ما تحدثه الصورة الفنية من نشوة خالصة عند المتلقي ، فتربط بينه وبين النص ، وتجعل منه مبدعا آخر له من خلال اختلاف التأويل ، فكل أثر فني هو حمّال أوجه .
ومن هنا تبرز المداخلة جوهر علاقة المتعلّم -وهو المتلقي- بالنص الشعري ، وتلقي الضوء على طرائق ووسائل تعليم الصورة الفنية ، وتركز على دور المعلم من خلال وسائل بيداغوجية وتكنولوجية حديثة، مقدّمة حلولا تسهل على المعلّم تعليم النص الشعري من خلال آليات وتقنيات وأساليب تعليمية تستهدف مختلف المجالات العقلية والمهارية والوجدانية .
كانت آخر مداخلات هذه الجلسة العلمية ،مداخلة الأستاذ الزاوي لعموري الموسومة بـ : "بيداغوجيا إقراء العنوان في تعليمية النص الأدبي " ،والتي أراد من خلالها تغيير محور مساءلة النص واستنطاقه l’intérogation du texte ، من النص ؛بوصفه بؤرة التحليل ومنطلق المقاربة في الفعل التعليمي التعلمي من مستويات عدة تركز على بناء النص وكشف دلالاته ومراميه، واستظهار أفكاره وشرح معجمه اللفظي، إلى تسليط الضوء على ما يحيط به من هالة ملفوظية تسترعي قراءة كل ما يصنع النص من العنوان بتفريعاته، والمقدمات إن وجدت، فضلا عن استهلالاته ، وكل ما يشكل المكونات المناصية les élément paratextuels ، فتغدو هذه العتبات مركز المقاربة والقراءة بوصفها أمكنة استراتيجية في توجيه عملية القراءة وجعلها أكثر نجاعة وحصافة لأنها تشي بدلالات النص ومساراته العميقة.
لقد عمدت المداخلة إذن، إلى مساءلة عتبة العتبات ،وهي العنوان ؛لكونه صار في عصرنا علما قارا (tétrologie) له أقطابه ورواده على غرار ليو هويك في كتابه "سمة العنوان" أو كلود دوشي، وهنري ميتران وغيرهم ، كما صار الخطاب النقدي العربي المعاصر يوليه عناية كبرى من خلال المقاربات المتعددة لعناوين النصوص الإبداعية على اختلاف أجناسها، ومن هنا جاءت محاولة مقاربة العنوان من منطلق وضعه الإجرائي في تعليمية النص الأدبي في أطوار التعليم المتعددة، و توجهت إشكالات البحث إلى عديد المطارحات والفرضيات التي ينتهجها المعلم في سبيل تلقين المتمدرسين الكيفيات والمهارات الكفيلة بجعله يطور حسه المعرفي وفهمه المحايث لبنية النص الأدبي الذي يدرسه، ومن جملة هذه الإشكالات الباعثة والمحفزة لمواثيق القراءة الأدبية :
-كيف يحقق النص أدبيته وشعريته؟
-ما هي الخطوات الإجرائية التي ينتهجها القارئ /المتمدرس قصد تفكيك بنية النص وتطويق دلالاته ومقاصده؟
-كيف يتسنى للقارئ انتقاء العنونة المناسبة في استيعاب دلالات فقرات النص ووحداته؟
-ما هي الوظائف المتعددة للعنوان إذا نزلناه في سياق دورة التخاطب الشائعة لياكبسون؟ ثم أهم سؤال كيف نتعامل وفق بيداغوجيا الإقراء العنواني مع أجرأة هذه العتبة على مستوى المقاربة المناصية بوصفها آلية مهمة من آليات شبكة القراءة المنهجية؟
استهلت مداخلات الجلسة العلمية الثانية والمخصصة لـ " النص الأدبي والمقاربات التعليمية الجديدة " بمداخلة للأستاذة رشيدة آيت عبد السلام عنوانها: "النص الأدبي: من التحليل إلى الإنتاج" ،حيث أوضحت في بدايتها أنّ تدريس الأدب يمثّل أداة لتنمية اللغة والأسلوب واكتساب مهارات الفهم والتحليل والتقييم. ولذلك، يركز إقراؤه ( النص الأدبي) على أبعاده الجمالية وجوانبه المعرفية والدلالية، ويزاوج بين المتعة والفائدة ممّا يمكّن من إعداد تلميذ قادر على التفاعل جماليا مع النص الأدبي، والاستفادة من رصيده المعرفي والثقافي.
وفي هذا السياق، اهتم مجال تعليميات اللغة العربية بطبيعة النص الذي يقدّم للتلميذ سندا لتعليم ناجع للغة العربية، وبالطريقة التي ينبغي أن يدرّس بها، من أجل بلوغ الأهداف المرجوة؛ وانصبّ الاهتمام على النشاطات التي يمكن اقتراحها على المتعلّم حتى يجمع بين متعة القراءة والفهم واكتشاف أفكار غيره من جهة، وقدرة الإنتاج والكتابة من جهة أخرى.
وللإحاطة بهذه الجوانب، تمّ فحص بعض الكتب المدرسية من حيث تجسيدها لطريقة تدريس النص الأدبي، وكيفية تطبيقها للمقاربة النصية ومبدأ الإدماج ( في المرحلة الابتدائية، وفي مرحلتي التعليم المتوسط والتعليم الثانوي)، وذلك لكون المدرس يعتمد في ممارسته الصفية و في تدريسه النص الأدبي والتعبير الكتابي بمختلف أشكاله( تطبيقات كتابية، وضعيات إدماجية، مشاريع... ) بشكل شبه كلّيّ على هذا الكتاب ؛ كما تمّ تفقد بعض الاستراتيجيات الحديثة في تدريس النص الأدبي ومقارنتها بالطرائق التقليدية للتوصل إلى تحديد عناصر التجديد والعوامل التي يمكن أن تطوّر تعليم اللغة العربية وتحسّن أداء المتعلم.
تلت هذه الورقة ،مداخلة الأستاذة حفيظة تزروتي: " تعليم النص الأدبي وفق المقاربة الثقافية ـ قصيدة أحن إلى خبز أمي لمحمود درويش ـ نموذجا ـ " ،حيث تناولت بداية ،موضوع استخدام النص الأدبي كسند بيداغوجي في تعليم اللّغة وما يثيره من جدل كبير ؛إذ ينقسم الديداكتيكيون والمربون بشأنه إلى فريقين: فريق داعم لاستخدامه، وآخر رافض له.وهو ما فصّلت فيه تمهيدا للموضوع الرئيس الذي يقوم على الإشكالية الآتية:
- ما فحوى الجدل القائم حول استغلال النصوص الأدبية في تعليم اللغات عامّة واللغة العربية خاصة، وما هي مبرراته ؟
- هل تنسجم طبيعة النصوص الأدبية مع جوهر المقاربة التواصلية المعتمدة في تعليم اللغة العربية ؟
- هل يمكننا اعتماد مقاربة أخرى لتوظيف النص الأدبي كسند بيداغوجي في تعليم اللغة العربيّة ؟ ما هي هذه المقاربة ؟ وكيف يمكن تنفيذها أو أجرأتها ؟
لقد حاولت المداخلة الإجابة عن هذه التساؤلات، باسطة الجدال بين الموقف المؤيّد لاستعمال النصوص الأدبية والموقف الرافض لها، خالصة إلى نموذج لتعليم النص الأدبي يحافظ على هويته ويحقق أهداف تعليمه، يقوم على اعتماد مقاربة الثقافات المشتركة (Approche interculturelle) التي جُسّدت بطريقة إجرائية من خلال أنشطة تعليمية تمّ تطبيقها على قصيدة "أحن إلى خبز أمي" لشاعر القضية الفلسطينية محمود درويش ـ
فتح بعد هذه المداخلة ،باب المناقشة للطلبة والأساتذة الذين تفاعلوا تفاعلا كبيرا بطرح أسئلتهم على كل الأساتذة المتدخلين ،ثم اختتم اليوم الدراسي في حدود الساعة الرابعة.
nasse